#

heading

  • الدولار
    7.49 = د.ل
    0.15
  • اليورو
    7.86 = د.ل
    0.08
  • الباوند
    9.15 = د.ل
    0.2
  • الليرة التركية
    0.17 = د.ل
    0
  • الدينار الاردني
    6.71 = د.ل
    0
  • الدينار التونسي
    1.6 = د.ل
    0
  • الجنيه المصري
    0.14 = د.ل
    0
  • الحواله التركية
    7.37 = د.ل
    0.12
  • الحواله دبي
    7.39 = د.ل
    0.12
  • الشيك المصدق
    7.82 = د.ل
    0.32
  • بطاقة ارباب الاسر
    5 = د.ل
    0
  • الذهب
    364 = د.ل
    0
  • الفضة
    2.9 = د.ل
    0
باليرمو.. المدينة الإيطالية المعتقة بالتاريخ العربي الإسلامي

باليرمو.. المدينة الإيطالية المعتقة بالتاريخ العربي الإسلامي

في طريق العودة من جزيرة لامبيدوزا إلى مطار باليرمو عاصمة صقلية لم تغادرني فكرة مقارنة المهاجرين الذين رأيتهم في الجزيرة وقواربهم المتهالكة بسفن جحافل الفاتحين الذين قدموا من تونس قبل قرون خلت، بقيت تلح عليّ تقلبات التاريخ هذه دون غيرها وأنا أحلق فوق المجال الصقلي. اخترت سيارة الأجرة بدل القطار للوصول إلى المدينة، التي كانت حسب الجغرافي والرحالة ابن جبير الأندلسي "أمّ الحضارة والجامعة بين الحُسنيين غضارة ونضارة"، لكنني وقعت في فخ الإسراف في الحديث من سائقها الذي عرّف نفسه بباولو. أقحمتني ثرثرته أكثر في مراثي التاريخ التي حاولت أن أتخلص منها. يخمن "باولو" جذورك بفراسة الخبير في الوجوه، فيبادرك بالحديث عن أمجاد أجدادك العرب الذي مروا من هنا. ينمّق حديثه بكلمات عربية أتقنها من خلال مجالسة المغاربة والتونسيين الكثيرين في الفضاء الصقلي، ومتقمصا دور راوي التاريخ العليم. بدا كلامه أشبه بسردية مكررة مع كل زبائنه العرب كجزء من متممات المهنة، لكنه كان على الأقل يعرف ما يغيب عن معظم الإيطاليين، وحتى العرب، حول المفاصل الكبرى لتاريخ باليرمو العربي الإسلامي وبقاياه. تمتد معرفته أيضا بالتاريخ العربي إلى جزر بانتالريا وسردينيا وحتى مالطا القريبة وإسبانيا، فقد كانت جزر المتوسط وسواحله ملتقى حضارات رسم الفاتحون المسلمون جزءا مهما من تاريخها. تعد باليرمو أكبر مدن صقلية وعاصمتها (شترستوك) بدت "بلرم" -كما سماها العرب- مدينة جميلة تضج بالحركة وهي تسترخي بين الجبال في حضن البحر الأبيض المتوسط، تحفّ أشجار النخيل معظم شوارعها وكذلك أشجار البرتقال التي جلبها المسلمون معهم إلى الجزيرة، ويبدو أنه فاض عن الحاجة ولم يجد من يقطفه. بقيت صقلية نحو قرنين ونصف في ظل الحضارة العربية الإسلامية وشهدت ممالك وإمارات وصراعات وتفككا وسقوطا، لكنها وعاصمتها باليرمو لا تحضر كثيرا في المخيال العربي الإسلامي مثل "إشبيلية" أو "غرناطة" أو "طليطلة"، ولا تحظى أيضا بالاهتمام التاريخي والثقافي نفسه. ربما لم يبق فيها أيضا الكثير مما يضاهي تلك المدن الأندلسية من آثار وشواهد. لو كان المقصد إسبانيا، وبإلحاح النوستالجيا ستكون شواهد الحضارة العربية الإسلامية الكثيرة في غرناطة وقرطبة ضمن أولويات الرحلة، وبإلحاح المراثي، سيحضر "طارق بن زياد" ثم دموع "أبي عبد الله الصغير" واقفا على تخوم غرناطة مودعا آخر قلاع الأندلس، تخاطبه أمه "ابك مثل النساء على ملك لم تحافظ عليه مثل الرجال". لا بد ستذكر مطلع قصيدة أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس ومطلعها "لكل شيء إذا ما تم نقصان .. فلا يغر بطيب العيش إنسان". لكن في باليرمو قليلون سيذكرون فاتحها "أسد بن الفرات" (759م-828 م) أو شاعرها الأشهر "ابن حمديس الصقلي" (1055م-1133م)، الذي رثاها أيضا بقوله. وعزكم يفضي إلى الذل والنوى .. من البين ترمي الشمل منكم بما ترمي فإن بلاد الناس ليست بلادكم .. ولا جارها والخلم كالجار والخلم بدأت حملات الفتح الإسلامي نحو الجزيرة البيزنطية وثغورها منذ منتصف القرن السابع الميلادي، لكن الأغالبة -الحكام العرب لتونس في القرن التاسع الميلادي- هم الذين أطلقوا الحملة الأضخم والأكثر استمرارية من مدينة سوسة نحو الجزيرة عام 827م بقيادة القاضي أسد بن الفرات، ووصل الفتح إلى نهايته في عام 965م. ظلت صقلية تحت السيادة العربية الإسلامية من سنة 827م إلى سنة 1091م، وانتقلت السيطرة على الجزيرة وأجزاء منها بين الأغالبة والفاطميين والكلبيين والأدارسة، وكانت منقسمة إلى 5 إمارات، وبقيت باليرمو حاضرة صقلية العربية إلى أن سقطت بأيدي النورمان سنة 1072م. تشغيل الفيديو مدة الفيديو 03 minutes 09 seconds 03:09 العرب مروا من هنا ونحن نجول في المدينة، ذكّرني الدكتور لوكا دانّا أستاذ اللغة العربية بجامعة نابولي (الشرقية) بمرثيات ابن حمديس تلك. لم أتفاجأ بإلمامه بتاريخ صقلية وإرثها اللغوي العربي أو بلهجته الليبية المتقنة، بقدر ما تفاجأت بحفظه أبياتا كثيرة للشاعر الصقلي -الذي يحسب على شعراء الأندلس- وكذلك أشعار ابن القطاع السعدي الصقلي، وإلقائها بشكل جميل وجذاب. يؤكد الدكتور لوكا أن باليرمو -التي اختارها المسلمون عاصمة للدولة الصقلية عام 831م- شهدت أزهى عصورها ثقافة وعمرانا وفنا وأدبا واقتصادا وتجارة في تلك الحقبة، ما زالت مفرداتها حاضرة إلى اليوم. ويصف الرحالة الشريف الإدريسي مدينة باليرمو في تلك الحقبة (عام 1138م) بقوله: "ولها حسن المباني التي سارت الركبان بنشر محاسنها في بناءاتها ودقائق صناعتها وبدائع مخترعاتها". يشير الدكتور لوكا إلى أن تأثيرات تلك الحقبة ما زالت ماثلة في جوانب لا حصر لها من الحياة اليومية بما فيها اللغة، كما أن معظم الصقليين ما زالوا يفتخرون بماضيهم الذي ينبع بطريقة أو بأخرى من الحضارة والثقافة العربية الإسلامية. استحضر الكثير من تلك مفردات العربية وجذورها واشتقاقاتها في مجالات المعمار والزراعة والصيد البحري وأسماء المدن والأحياء والمواقع التي تنطق بلكنة إيطالية لا تخفي أصلها العربي من قبيل "الجابية" (دجبيا) "الساقية" (شاكا) أو "القفة" (كفا)، أو "قلعة" (كالتا). تشغيل الفيديو مدة الفيديو 01 minutes 30 seconds 01:30 تجد أيضا مفردات مثل "الشبكة" و"الرايس" بالمعنى نفسه المستعمل في شمال أفريقيا أي قائد قارب الصيد، تماما مثل "المعصرة"، وقد أضاف العرب الكثير لقطاع الزراعة ونظم الري وجلبوا معهم تقنيات أحدث وأنواعا أكثر مثل الحمضيات والفستق والنخيل وقصب السكر والقطن والتمر والزيتون والجلجلان وغيرها. حافظت بعض المدن والقرى أيضا على أسمائها العربية. ينحدر لوكا نفسه من قرية "رافاديلي" واسمها العربي هو "الراحل الأفضل"، وما زالت بعض الأحياء والمناطق في المدينة تنطق باشتقاقها العربي ومن ضمنها "القصر"(كسارو) و"الخالصة" (كالسا). يعرف معظم الإيطاليين أن قصر "لا زيسا" (La zisa) الواقع في قلب مدينة باليرمو مشتق من الاسم العربي "العزيزة"، وكذلك سوق العطارين (لاتارين) العامر بالمتسوقين وتفوح منه بمجرد دخوله رائحة التوابل بأنواعها، والذي لا يختلف في طريقة العرض والسلع عن الأسواق في مدن شمال أفريقيا العتيقة. تشتهر باليرمو بأسواقها المفتوحة التي تشبه أسواق بلدان المغرب العربي (شترستوك) ويبرز ذلك أيضا في سوق "بالارو" (Mercato di Ballarò)" بصخبه وازدحامه، وسوق "دل كابو" (Mercato del Capo) المفتوحة، حيث تعلو نداءات الباعة أيضا على الطريقة العربية. ويحفل المطبخ الصقلي أيضا بالأكلات والحلويات ذات الأصل العربي والأمازيغي (التونسي بالأساس) أو مكوناتها، بما في ذلك طريقة العرض والتصنيف والمكونات، وبخلاف المركز العصري للمدينة تحس أنها بتفاصيلها ونمط حياتها وناسها أقرب إلى الجنوب الذي لا يبعد كثيرا عنها. والذي جاء منه الفاتحون قبل أكثر من 12 قرنا.

أخبار متنوعة